بكاء الرجل

لقد إنطبعت في أذهاننا منذ الصغر صورة الرجل الصلب القاسي و أن بكاء الرجل ضعفا وعيبا لا يليق بكبريائه وقوته وكأن الرجل صخرة جماد خالي من الأحساس والمشاعروتقابله المرأة الحنون الوديعة الرقيقة ، ولهذا فقد أضيف البكاء إلى المرأة ضمن خصائص مملكتها ، واستعاض عنه الرجل بمساحة خالية تقل فيها فرص التعبير الصادق عن المشاعر والأحاسيس التي تظهر في البكاء ، فهل صحيح أن الرجل لا يبكي إلا قليلا أم أن هناك بكاء للرجل لا تراه حواء فالرجل هو الأب والأخ الذي يملك طاقة من الصبر لاحدود لهاوفي النهاية هو الإنسان الذي يملك كتلة من المشاعر والأحاسيس كلا إن الرجل ليبكي شأنه شأن المرأة إلا أن لبكاءه لون آخر لاتظهره الدموع ، ولا يجليه النشيج والحشرجات ، تجده في زفرات صدره ، وفي التماعة عينه.

فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم بكى عندما توفيت خديجة[، وبكي عندما أستشهد عمه حمزة بن عبدالمطلب وكان قلبه عطوفا يبكي عند مواقف الحزن. فلماذا تغيرتنظرتنا في الوقت الحالي
فحتى الطفل الصغير عندما يبكي يقال له عيب عليك تبكي وأنت رجال البكاء للبنات ألا تعتقدون بأن تلك الدمعة شجاعة منه بأن يحطم كل معاني الكبرياء والمنعه لكن لدمعة الرجل معاني لايعرف مدلولاتها سوى الرجل نفسه دمعة الرجل ليست بالرخيصة الهينة التي تنهمل في كل موقف فلتعلم حواء أن للرجل قلبا ، وأن له دموعا ولكنها ليست كالدموع يفرقها على الاختلاجات والكلمات فتخفى عليكن فهذا جميل بثينه يقول

إذ خَطَرَتْ من ذكر بـثـنـة خطرةٌ * * * عصتني شؤون العين فانهلّ ماؤها

ولكن الأن تغيرت هذه المفاهيم في ظل عاداتنا وتقاليدنا فأصبح بكاء الرجل على ضعفه وهذا والله لظلم عظيم

أليس أنسانا بين جوانحه قلبا ينبض بالحياة

يجد من الألم واالحزن مالله به عليم والبكاء راحة لكل إنسان ذكرا كان أم أنثى فبكاء الرجال منظر جدير بالاحترام والوقوف له ،،، بعكس بكاء حواء والاطفال الذي يعتبر أمرا عاديا يتكرر دائماً

فمتى يبكي الرجل ؟

لأن البكاء في عرفنا هو قمّة الاستكانة والضعف فقد ارتبط في أعرافنا أنه لايليق برجل الذي رجولته تحتّم عليه أنْ يظهر دائما بمظهر القويّ الذي لاتهزّه الشدائد وياجبل مايهزّك ريح

لكن الحقيقة المنافية لكلّ ذلك هي أنّ الرجل الأكثر إنسانيّة هو الذي تفيض دمعته ..فدواعي الإنسانيّة فوق كبريائه

والإيمان داعيه فوق كل الدواعي فهو يزيل أي كبرياء في مقام التذلّل أمام الحق فنرى أعز الرجال وأجلدهم في حرب وأشدهم بأساً يبكي بل وينتحب في مقام الذل والانكسار والافتقار للخالق

وهذا الفاروق عمر يبكي حتى يبلّل الدمع خدّيه وهو الشديد على الحق

أجمل منظر يروق لي دائماً وأبدا رؤية شاب يبكي في هكذا مقام

همسات: بكاء الرجل لأجل الحب..هو أس الفضائل كلها فهو كالنبع في أوّله يتدفّق عنه كلّ الخير الذي لاينضب

فالحب كالشعاع بتوهّج ضياؤه داخل القلب ليتدفّق ينبوعاً للإنسانية..

ولعلّ الأم أكثر ماتفيض دمعات الرجال لأجلها ..

إنّ أكبر معاني الإنسانيّة قيمة...تُحتّم أن تستنزف أرقّ المشاعر مِن أقوى الرجال..

دمتَ متألّقاً